فوضى الأسواق العالمية- حرب التعريفات الحمائية وتأثيرها على الاقتصاد

المؤلف: طلال صالح بنان09.24.2025
فوضى الأسواق العالمية- حرب التعريفات الحمائية وتأثيرها على الاقتصاد

شهدت الأسواق المالية العالمية في الأسبوع الفائت اضطرابات جمة، شملت أسواق الأسهم والسندات، وأثرت بشكل ملحوظ على حركة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد. كادت الأوضاع تخرج عن السيطرة وتنذر بانهيار مدوٍ للأسواق، مع ما يترتب على ذلك من خسائر فادحة للدول والأفراد، يصعب تعويضها. في المقابل، يرى البعض أن هذه الفوضى كانت متعمدة، وأن كبار الرأسماليين جنوا أرباحًا طائلة خلال ساعات معدودة، مستغلين التضارب في التصريحات الرسمية الصادرة من واشنطن بشأن فرض الرسوم الجمركية وتعليقها.

الخلاصة، أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، قام بتفعيل قرارات كان قد اتخذها سابقًا، وذلك في إطار ما أسماه "يوم التحرير"، مستندًا إلى شعاري "أمريكا أولاً" و"استعادة عظمة أمريكا". كان الهدف الأساسي للرئيس ترمب هو معالجة العجز التجاري مع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، بالإضافة إلى تقليص العجز في الميزانية الفيدرالية، وذلك من خلال اتخاذ إجراءات صارمة للحد من الإنفاق الزائد، بهدف تعزيز كفاءة وفاعلية المؤسسات الحكومية. وقد أنشأ لهذا الغرض إدارة جديدة تحت اسم "إدارة رفع كفاءة الأجهزة الحكومية (DOGE)"، وكلف صديقه الملياردير إيلون ماسك بإدارتها، وهو ما أدى إلى تسريح أعداد كبيرة من الموظفين الحكوميين، بل وإلغاء وزارات خدمية حيوية، مثل وزارة التعليم.

على الصعيد الخارجي، اعتمدت استراتيجية الرئيس ترمب على التعامل مع جميع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، بغض النظر عن كونهم حلفاء أو أصدقاء، خصومًا أو أعداء ومنافسين دوليين، بسياسة حمائية صارمة، تقوم على فرض تعريفات جمركية باهظة على الواردات الأجنبية، سعيًا لاستعادة الهيمنة الأمريكية العالمية.

وبغض النظر عن صحة الادعاءات التي ساقها الرئيس ترمب لتبرير هذه السياسة، والتي زعم فيها أن الولايات المتحدة تعرضت لغش وخداع متعمدين من قبل شركائها التجاريين على مدى عقود، مما كبدها خسائر فادحة، وأن الإدارات السابقة فشلت في التنبه لذلك، فإن الحل من وجهة نظره يكمن في العودة إلى سياسة العزلة وفرض الرسوم الجمركية.

هنا يتصرف الرئيس ترمب وكأنه زعيم للعالم، يتوقع أن تُنفذ أوامره دون تردد، معتقدًا أن الولايات المتحدة تتمتع بميزة تنافسية فريدة في التجارة الدولية. لكن، في الواقع، تستند سياسة الرئيس ترمب الحمائية إلى فرضيتين خاطئتين. الأولى، هي فرضية هجومية، تعتمد على ثقة مفرطة في مكانة الولايات المتحدة كأعظم قوة في النظام الدولي. والثانية، هي تصور ساذج بأن العالم سيستسلم لهذه السياسة الحمائية ويرفع الراية البيضاء، متوجهًا إلى البيت الأبيض متوسلًا للتفاوض وتلبية المطالب الأمريكية، مع التضرع لمراعاة مصالحه التجارية! لم يتوقع الرئيس ترمب أن تتجرأ أي دولة في العالم على تحدي سياسته الحمائية ومعاملته بالمثل، فضلًا عن أن ترد له الصاع صاعين.

تعتبر الصين الدولة الكبرى التي تصدت بقوة لسياسة الرئيس ترمب الحمائية، وأظهرت ليس فقط قدرتها على المنافسة، بل أيضًا استعدادها لخوض المواجهة على الساحة الدولية، سواء في مجال التجارة العالمية أو على المستوى الاستراتيجي.

لم تتردد الصين في إظهار رد فعلها الفوري على استراتيجية الرئيس ترمب الحمائية بنفس القوة والثقة. وسرعان ما تصاعدت وتيرة الإجراءات الانتقامية بين البلدين، حتى وصلت الحرب التجارية إلى مستويات غير مسبوقة. وبينما يترقب العالم إلى أين ستصل هذه الحرب الجمركية الطاحنة، باتت الأسواق العالمية تعاني من حالة من الارتباك الشديد، والاقتصاديات العالمية مهددة بالانهيار، سواء كانت فقيرة أو غنية ومتقدمة.

لا نغالي إذا قلنا إن الصين هي من فاز بالجولة الأولى من هذه الحرب التجارية، عندما أبدت استعدادها للمضي قدمًا في ردود أفعالها الفورية على أي تصعيد أمريكي، دون أي تردد. أما تعليق الرئيس ترمب لسلوكه التصعيدي في فرض سياسته الحمائية لمدة ثلاثة أشهر، فهو دليل على عدم قدرته على الاستمرار في هذه السياسة، لأن آثارها السلبية تجاوزت حدود السوق العالمية، لتضر بالاقتصاد الأمريكي نفسه من خلال ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وربما الدخول في حالة كساد. هذا الواقع المرير هو الذي أجبر الرئيس على إعادة النظر في سياسته الحمائية واستثناء واردات بلاده من الصين من سلع أساسية مثل الكمبيوترات والهواتف الذكية وأشباه الموصلات، مما دفع الصين إلى وقف التصعيد المتبادل والإعلان عن تجاهل أي تصعيد مستقبلي في الحرب التجارية مع واشنطن.

يبقى السؤال المطروح: هل ستشتد حدة الحرب التجارية وتصل إلى مستويات متقدمة من العنف، مما ينذر باندلاع حرب عالمية ثالثة؟ من المستبعد أن تتطور الأمور إلى هذا السيناريو الكارثي، ولكن من المتوقع أن يشهد العالم، في المستقبل القريب، موجة جديدة من السياسات الحمائية التي قد تقضي على الكثير من المكاسب التي تحققت في ظل العولمة وحرية التجارة وانتقال رؤوس الأموال. ومع ذلك، يظل هذا الاحتمال الأخير صعبًا وبعيدًا، ونتمنى أن تستعيد حركة التجارة العالمية عافيتها وحريتها من جديد، وإن كان ذلك ببطء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة